07-أغسطس-2022
Majdi Fathi/ Getty

Majdi Fathi/ Getty

الاعتبارات الداخلية الحزبية الضيّفة عشية الانتخابات العامة في "إسرائيل"، كان لها دور حاسم في معظم الحروب المباغتة التي شنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة، هذه المرة أيضًا وبمجرد الإعلان عن إطلاق العملية العسكرية "بزوغ الفجر"، جرى الربط بين أجواء المعركة الانتخابية وشنّ حرب على غزة.

بمجرد الإعلان عن إطلاق العملية العسكرية "بزوغ الفجر"، جرى الربط داخل "إسرائيل" بين أجواء المعركة الانتخابية وشنّ حرب على غزة

المعلّق العسكري في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "قناة كان" رأى أنّ الاوضاع الداخلية وعدم الاستقرار وأجواء الانتخابات السائدة في "إسرائيل"، انعكست على غزة بإطلاق هذه العملية العسكرية، لكن وكلمح البصر عاجله المذيع المخضرم بسؤال لتغيير وجهة الحديث.

وزير جيش الاحتلال، بيني غانتس، ومنذ توليه منصبه في الحكومة الحالية، يتعرّض لحملة مكثفة يديرها زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في محاولة لإظهاره في صورة الضعيف الخانع للفلسطينيين بلغت ذروتها أثناء موجة العمليات الفردية التي بددت الشعور بالأمن الشخصي للإسرائيليين في المدن الكبرى خصوصًا تل أبيب ومحيطها، ولم يكن ثمة جهة بالإمكان الانتقام منها بسبب تلك العمليات التي نفذها شبان عملوا على عاتقهم، والجيش كان يخشى تنفيذ اغتيال خلال شهر رمضان تحسّبًا لأن يقود ذلك لجولة تصعيد واسعة النطاق.

وفوق ذلك كله نجح نتنياهو بتصوير "التسهيلات" التي قدّمها غانتس على أنها خضوع للفلسطينيين، وفي الوقت ذاته كان غانتس يدرك أن شعبيته تراجعت، وبات في أمسّ الحاجة لترميمها قبيل الانتخابات، ليظهر بمظهر القويّ الحازم في مواجهة الفلسطينيين، وهذا التوقيت ملائم جدًا ليمزّق الصورة التي رسمها عنه نتنياهو، وهنا نتذكر مقطع الفيديو الذي يُظهر حجم الدمار الهائل في غزة، والذي استخدمه غانتس في دعايته الانتخابية حين كان رئيسًا لأركان الجيش.

مصلحة غانتس التقت أيضًا مع مصلحة يائير لابيد، الذي يعاني من عقدة أنّه لم يكن يومًا ما قائدًا عسكريًا 

مصلحة غانتس التقت أيضًا مع مصلحة رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، فهو يعاني من عقدة أنه لم يكن يومًا ما قائدًا عسكريًا، ولم يؤد الخدمة العسكرية في أي وحدة من وحدات النخبة (عمل في إذاعة الجيش أثناء خدمته الإلزامية)، لذلك فإن لابيد يريد الظهور بصورة من يشرف على الحملة العسكرية من "البئر" -غرفة العمليات الرئيسية في مقر هيئة الأركان- وهذه فرصة نادرة قد لا تتكرر في تاريخه مجددًا، وهي صورة قد تكون الأهم في تاريخ حياته لاستثمارها انتخابيًا.

لكن ورغم ذلك، فإنّ الاعتبارات الشخصية والانتخابية للمستوى السياسي ليست كافية لإطلاق عدوان واسع النطاق، كما بدا على لسان ضباط سابقين في جيش الاحتلال ومخابراته، حين تحدثوا لوسائل الإعلام، عن "فرصة سانحة لا بد من انتهازها بعنف وبسرعة"، كتلك التي بادر لتنفيذها جيش الاحتلال عام 2019 حين اغتال قائد لواء الشمال في سرايا القدس، بهاء أبو العطا، وأطلق عليها تسمية "عملية الحزام الأسود".

ووفقًا لمنظّري الحرب الإسرائيليين فإنّ تلك العملية كانت "من أنجح العمليات في مواجهة غزة" فهي "عملية خاطفة" و"حققت إنجازًا عسكريًا واستخباريًا باغتيال رمز هو "أبو العطا"، كما أنها كانت"خاطفة"، لذلك يرون أنه لا بد من تكرار عمليات على هذا المنوال، مع مضاعفة "أسباب نجاحها" ومنها مثلًا الاستفراد بالجهاد الإسلامي عسكريًا، واستبعاد مواطن الخلل ومظاهر الضعف كتعطيل المدارس في مستوطنات الجنوب وغلاف غزة.

الاعتبارات الشخصية والانتخابية للمستوى السياسي ليست كافية لإطلاق عدوان واسع النطاق 

وفيما يتعلّق بالتشخيص السائد لدى جيش الاحتلال ومخابراته، وكذلك الخبراء والمعلِّقين العسكريين المُعلن والمروَّج للإسرائيليين عبر وسائل الإعلام العبرية أنه لا تقليل من شأن القدرات العسكرية للجهاد الإسلامي وكفاءة مقاتلي "سرايا القدس" واستعدادهم للتضحية، بل تمّ التذكير في مستهل العملية العسكرية الإسرائيلية "بزوغ الفجر" أنّ الجهاد الإسلامي أول تنظيم فلسطيني قصف بئر السبع، ولاحقًا تل أبيب. 

ورغم ذلك فإن قدرات الجهاد الإسلامي (منفردًا) على إنتاج كثافة نارية تستهدف التجمعات السكنية الإسرائيلية الكبرى والقوات المرابطة في محيط غزة تظل ليست بنفس العنف والشدة لو شاركت كل الفصائل في الجهد الناري. وليس هذا فقط الجانب المريح لجيش الاحتلال ومخابراته في مواجهة "بزوغ الفجر"، كما أُمها "الحزام الأسود"، فالقدرات الاستخبارية الإسرائيلية التي تعتمد على العنصر البشري أو القدرات التقنية يتم توجيها صوب الجهاد الإسلامي حصرًا، وبذلك ترتفع القدرة على إحباط عمليات إطلاق الصواريخ واغتيال القادة ورصد الخلايا واستهدافها.

عملية "بزوغ الفجر" وفق التسمية الإسرائيلية، والتي يقابلها تسمية "وحدة الساحات" من ناحية الجهاد الإسلامي، تعتبر من الناحية العسكرية الإسرائيلية عملية استعراضية لرفع معنويات الجمهور، ولضرب معنويات الفلسطينيين، ولدقِّ الإسفين بين الفصائل، لكن الأهداف العسكرية المحضة تتفوق من ناحية الأهمية، فهي مخصصة لقضم القدرات العسكرية للجهاد الإسلامي في عملية خاطفة، وتجريده من أكبر عدد ممكن من قيادته العسكرية، للتخلص منهم قبل أي معركة طويلة الأمد تشارك فيها بقية الفصائل، كما أنّ الهدف الإضافي للعملية هو إجراء دارسة لطريقة ومنهجيّة الجهاد الإسلامي في إدارة العمليات لصياغة خطة مستقبلية للمواجهة.

لا مفاجآت حتى الآن لجيش الاحتلال ومخابراته، فيما يخص الأداء العسكري والكثافة النارية ونطاق دائرة الاستهداف من غزة، لكن بوابة الاحتمالات تظلّ مفتوحة على مصراعيها 

حتى الآن، الأداء العسكري للجهاد الإسلامي والكثافة النارية التي ينتجها ونطاق دائرة النار التي يرسمها، لم يشكّل مفاجآت لجيش الاحتلال ومخابراته، لكنها بوابة الاحتمالات تظلّ مفتوحة على مصراعيها؛ صاروخ واحد مضاد للدروع يفتك بدبابة، أو قذيفة هاون تسقط في تجمّع للجنود قد يقلب الصورة رأسًا على عقب.