06-أبريل-2024
المهندس الزراعي يوسف أبو ربيع ومبادرة حنزرعها

المهندس الزراعي يوسف أبو ربيع ومبادرة حنزرعها

بحفنة من بذور "الملوخية" عثر عليها داخل قارورة تحت ركام منزل عائلته، وبضعة بذور تساقطت من ثمار الفلفل بعد جفافها على أمهاتها شقّت الأرض وأنبتت من جديد، وثمار يقطين وباذنجان نجت من أنياب الجرافات الإسرائيلية، أطلق مهندس زراعي شاب من شمال غزة، مبادرة "حنزرعها" لإعادة إنتاج البذور والأشتال تمهيدًا لزراعتها في أماكن الإيواء وحدائق المنازل، مع اقتراب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من بداية شهرها السّابع.

بذور ملوخية عثر عليها يوسف أبو ربيع كانت بمثابة الكنز، ليبدأ بعدها رحلة محاولة إعادة زراعة الأرض شمال قطاع غزة، بعد الدمّار الذي خلّفه الاحتلال 

أطلق الشاب يوسف أبو ربيع (24 عامًا) مبادرته وسط "مجاعة" غير مسبوقة يعيشها شمال قطاع غزة، بفعل الدمار الذي خلّفه الاحتلال، واستهدافه القطاع الزراعي بشكل كامل، ومنعه إدخال المساعدات الغذائية.

دمارٌ يطال كل شيء في بيت لاهيا

ومع بدء العدوان الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر، نزحت عائلة الشاب أبو ربيع التي تمتهن الزراعة، من منطقة الشيماء بمدينة بيت لاهيا شمالًا إلى مدارس وكالة الغوث غرب مدينة غزة، إلا أنها عادت إلى منطقة سكنها بعد أشهر من التشتت والنزوح عقب انسحاب آليّات الاحتلال.

وعن تلك اللحظة يقول يوسف لـ "الترا فلسطين": صُدمنا عند رجوعنا إلى المنطقة، اعتقدت أن زلزالًا ضربها، فقد دمرت الجرافات الإسرائيلية الأراضي الزراعية وآبار المياه ولوحات الطاقة الشمسية. حجم الدمار الرهيب أصاب المزارعين بالذهول، وخلق حالة من العزوف عن العمل مجددًا في الزراعة خاصة في ظل انعدام مقومات العمل الزراعي.

المهندس الزراعي يوسف ابو ربيع.jpeg
المهندس الزراعي يوسف ابو ربيع

ويضيف أنه وبعد ثلاثة أسابيع على هذا الحال التقى مزارعين، وتناقش معهم بأنه لا يجوز البقاء على هذا الحال، فالناس جائعة ولا تجد ما تأكله، ويجب التحرّك لزراعة الأرض مجددًا.

استصلاح للأرض وبحثٌ عن البذور

ويشير المهندس الزراعي إلى أن مبادرته من شقين؛ الأوّل يتمثل باستصلاح قطعة أرض لزراعة بعض البذور المتوفرة من الملوخية واليقطين والجرجير والفجل، والشق الآخر يتمثل بإنتاج البذور والأشتال وتوزيعها على المواطنين والمزارعين لإعادة زراعتها في حدائق البيوت وأماكن الإيواء، لتوفير بعض حاجياتهم، خاصة في حال عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى المساحات المحدودة جدًا التي قاموا بزراعتها.

بدأ يوسف أبو ربيع زراعة بذور جديدة من أمام منزل عائلته الذي دمّره القصف الإسرائيلي شمال غزة
بدأ يوسف أبو ربيع زراعة بذور جديدة من أمام منزل عائلته الذي دمّره القصف الإسرائيلي شمال غزة

ويبين أبو ربيع أن الاحتلال دمّر غالبية شركات المستلزمات الزراعية التي كانت تعمل في شمال قطاع غزة وهو ما جعله عاجزًا عن توفير عدد كبير من البذور التي يتم استيرادها من الخارج. مضيفًا: لكن القدر تبسم لي عندما عثرت على حفنة من بذور الملوخية وأشتال من محصول الفلفل نمت من جديد بعد جفاف الثمار وتساقط البذور على الأرض، إضافة إلى عدد من ثمار اليقطين والقرع والباذنجان وفسائل أخرى من الفراولة المعلقة.

البداية من الملوخية

وبدأ أبو ربيع مبادرته بزراعة عدد من أحواض الملوخية في حديقة المدرسة التي تأوي عائلته، ووزّع بذورًا أخرى على الجيران لزراعتها في حدائق منازلهم، خاصة تلك التي لم يأت القصف الإسرائيلي عليها بصورة كاملة.

وقال أبو ربيع الذي أنشأ مشتلًا صغيرًا إلى جوار منزل عائلته المدمّر، إنه وجّه مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتمكن من الحصول على البذور سواء تلك التي تتوفر بقايا منها لدى المواطنين، أو تلك التي قد توفرها بعض المؤسسات والمنظمات الإغاثية، وقد تلقى وعودًا بذلك.

أشتال جديدة من أمام المنزل المدمر.jpg
أشتال جديدة من أمام المنزل المدمر.

وأشار إلى أنه تمكن مع 10 مزارعين آخرين من تجهيز مساحة 15 دونمًا لإعادة زراعتها بمحاصيل الخيار والبندورة والكوسا في حال توفر البذور.

وأبدى المهندس الشاب استعدادًا لتنفيذ مشروع إنتاج 7 أصناف من المحصولات الزراعية، مثل القرع واليقطين والباذنجان والخيار واللوبيا، وذلك بأسعار رمزية للمساهمة في إعادة النهوض بالقطاع الزراعي ونشر ثقافة الزراعة المنزلية.

قصفٌ لا يتوقّف ومياه بالكاد تتوفّر

وأشار أبو ربيع إلى المخاطر الكبير المترتّبة على عمله بصحبة خمسة عمال آخرين يعملون معه بأجر في أرضه الزراعية، مع تواصل القصف المدفعي وتحليق الطائرات الإسرائيلية المسيّرة والمزودة بالصواريخ في أجواء المدينة.

وعن إمكانية توفير المياه لري المزروعات، أشار أبو ربيع إلى أنه تمكن من تشغيل أحد آبار المياه المهجورة والذي نجا من أنياب جرافات الاحتلال الفولاذية، بوساطة مولد كهربائي يعمل على زيت الطهي بدلًا من السولار نادر التوفر، والذي يبلغ ثمن اللتر الواحد منه 50 شيقلًا (15 دولار)، مشيرًا إلى أن المولد لا يعمل بصورة منتظمة لكنه قادر على ضخ كمية من المياه تكفي لري المزروعات.

وينتظر أبو ربيع بعد نحو ثلاثة أسابيع جني أول محصول من الملوخية، وهي الفرصة الأولى بالنسبة لعائلته وعدد من أقربائه لتناول هذه الطبخة التي كان آخر عهدهم بها قبل 6 أشهر.

محاولات قاصرة عن توفير الحدّ الأدنى من احتياجات المحاصرين، لكنّها خطوة أولى في طريق الألف ميل

ويقرّ المهندس الزراعي الشاب بأن هذه المحاولات تبقى قاصرة عن توفير الحد الأدنى من حاجيات المحاصرين شمال قطاع غزة، لكنّه يشدد على أنّها الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل.

ومنذ عدة أشهر لم يتمكن كثير من سكان شمال غزة من مشاهدة أو تناول الخضروات بأنواعها كافة، فيما بلغت أسعار بعض الثمار التي يتمكن بعض سائقي شاحنات المساعدات من إخفائها عن جنود الاحتلال، أرقامًا خيالية، فثمن حبّة واحدة من الخيار تبلغ 10 شواقل (3 دولار)، وحبة واحدة من الطماطم تبلغ 12 شيقلًا (4 دولار)، وقرن الفلفل 15 شيقلًا (5 دولار).

ويعيش قرابة 700 ألف فلسطيني شمال قطاع غزة ظروفًا غاية في القسوة بسبب انتشار المجاعة إثر استمرار الحصار والحرب الإسرائيلية لليوم الـ 183، ما دفعهم لطبخ النباتات والأعشاب البرية مثل الخبيزة، وخبزِ أعلاف الحيوانات مع غياب الطحين ووصول سعر الكيس منه إلى نحو ألف دولار.

زراعة في بيت لاهيا زراعة في بيت لاهيا.jpgزراعة في بيت لاهيا

إصرار على زراعة الأشتال شمال غزة رغم الدمار
إصرار على زراعة الأشتال شمال غزة رغم الدمار