02-يوليو-2023
مراجعة لفيلم "Praying for Armageddon" - "الصلاة لأجل جبل مجدّو"، عن المسيحيّة الصهيونية

مراجعة لفيلم "Praying for Armageddon" - "الصلاة لأجل جبل مجدّو"، عن المسيحيّة الصهيونية

يجول في مهرجانات السينما الوثائقية المرموقة هذا العام الفيلم السياسي الطويل "Praying for Armageddon"، وترجمته العربية "الصلاة لأجل جبل مجدو"، من إنتاج عام 2023، وإخراج صانعة الأفلام النرويجية تونية شاي. يقترب الوثائقي من تيارات المسيحية الإنجيلية الأصولية في الولايات المتحدة، في محاولة لفهم تأثيرها البليغ على السياسة الأمريكية داخليًا وخارجيًا، وعلاقة ذلك بإيمان تلك التيارات بنهاية العالم الوشيكة.

يقترب الوثائقي من تيارات المسيحية الإنجيلية الأصولية في الولايات المتحدة، في محاولة لفهم تأثيرها البليغ على السياسة الأمريكية داخليًا وخارجيًا، ودعمها لـ "إسرائيل" وعلاقة ذلك بإيمان تلك التيارات بنهاية العالم الوشيكة

تدخل المخرجة عوالم عدد من الناشطين الإنجيليين الأصوليين بعمق، وتلتقي بأصوات نقدية أيضًا. ولمعاينة أثر تلك التيارات على صناعة القرار السياسي الأمريكي، تحلل المخرجة حالتين؛ الأولى داخلية، متعلّقة بأحداث اقتحام الكونغرس في السادس من كانون ثاني/ يناير 2021، وهوس تلك التيارات بالحفاظ على دونالد ترامب في السلطة، والثانية خارجية، تتمثّل أساسًا بدعم تلك التيارات غير المحدود لـ "إسرائيل"، دون اكتراثها لمصير الفلسطينيين.

يبدأ الفيلم بمشاهد للقس غاري بورد يقود دراجاته النارية متجها إلى جلسة تبشيرية سيديرها، مرتديًا سترة لنادي الدراجات النارية الذي ينتمي له، تحمل شعار مؤسسته التبشيرية، وعلمًا أمريكيًا، وكذلك علمًا إسرائيليًا، إضافة لعبارة مفادها: "درّاج إسرائيلي فخور". يذكِّر القس الحضور بحتميّة عودة المسيح يومًا ما، وضرورة الانخراط في المعركة القادمة، مستدلًا بنصوص إنجيلية.

"أنا لا أدعو لتشكيل ميليشيا. يتّهمني البعض بذلك.. يطلب المسيح منّا أن نكون محاربين عند ظهوره"، يقول القس بورد خلال الجلسة. يرى القس بورد من ذلك المستقبل الوشيك حربًا دموية بين الخير والشر لا مفر منها، ومتلازمة لعودة المسيح وملاقاته لأتباعه من "عباده الصالحين".

جون هاجي، وهو مؤسس منظمة "مسيحون متحدون لأجل إسرائيل":  "طلب منا أن نكون محاربين، ونريدكم أن تنخرطوا في المعركة" 

تعرض المخرجة بعض المقتطفات من جلسة أخرى يحضرها المئات، وتحمل عنوان "علامات النهاية"، ينبّه المتحدثون خلالها إلى ظهور علامات عديدة لاقتراب نهاية الكون. "طلب منا أن نكون محاربين، ونريدكم أن تنخرطوا في المعركة"، يقول جون هاجي، وهو مؤسس منظمة "مسيحون متحدون لأجل إسرائيل".

لكن ما علاقة تلك النبؤات الدينية بعالم السياسة؟ يجيب على التساؤل هذا فرانك شافر، وهو واعظ إنجليلي سابق. "بالنسبة لهم، لا يمكن حدوث ذلك كله بدون وجود دولة إسرائيل"، يقول شافر، مبرزًا ضرورة تواجد اليهود في "أرض إسرائيل" كشرط لعودة المسيح، بحسب إيمان الإنجيليين الأصوليين. وينوّه شافر إلى أن ذلك الإيمان الراسخ هو سبب أساسي وراء "الإعاقة الأمريكية لعملية السلام، وعدم دعم الفلسطينيين باسترجاع أراضيهم".

بعد تفكيك المعادلة الأساسية للفيلم، وعلاقة الدين بالسياسة في السياق المذكور، تتبع مخرجة الفيلم الصحافي في موقع الإنترسبت، لي فانغ، والذي يحقق في أثر الإنجيليين الأصوليين على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه "إسرائيل". خلال الفيلم، ينجح الصحافي فانغ بمقابلة العديد من السياسيين، كالنائب الجمهوري تيم بورشيت، والذي ينفي سمة التطرف عن الإنجيليين الأصوليين. "نحن نتبع الكتاب المقدس فحسب. وما يقوله الكتاب المقدس عن إسرائيل، سنصغي له. لو قال: باركوا إسرائيل، سنفعل. نحن نأخذه بحرفية، وأنا أحد هؤلاء الناس"، يقول بورشيت، والذي يعبِّر عن رغبته في أن يكون إلى صف المسيح عند ظهوره، بحسب كلماته.

نائب جمهوري: "نحن نتبع الكتاب المقدس فحسب. وما يقوله الكتاب المقدس عن إسرائيل، سنصغي له. لو قال: باركوا إسرائيل، سنفعل. نحن نأخذه بحرفية، وأنا أحد هؤلاء الناس" 

يقابل الصحفي فانغ نائبًا جمهوريا آخر يدعى بيت سيشنز، والذي يؤكد أن الولايات الأمريكية مهتمة باستمرار الدعم المادي والعسكري لـ "إسرائيل"، ويقول: "علينا أن نفعل ما بوسعنا لنتأكد من أن تلك الديمقراطية ستنجو". في مقابلة مع نائبة جمهورية أخرى تدعى لورين بويبرت، تتهرب بداية من الإجابة، ثم تجيب باختصار: "هناك دولتان وجدتا لتمجيد الرب، الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. سأفعل ما بوسعي لأقف بجانبهما".

بعد جرعة ثقيلة من المعتقدات الدينية، تبتعد المخرجة عن الولايات المتحدة وتأخذ المشاهدين إلى جزء مصور في فلسطين المحتلة، لمعاينة أثر السياسات الإسرائيلية، المدعومة أمريكيا، على الفلسطينيين. تتجوّل المخرجة مع الناشط المقدسي محمد الكرد، والذي يسكن حي الشيخ جراح بـ القدس المهدد بترحيل سكانه الفلسطينيين من قبل السلطات الإسرائيلية. "لطالما موّل الإنجيليون الأصوليون المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية"، يقول الكرد.

كما تصوِّر المخرجة جولة سياحية سياسية تقودها المرشدة فيروز شرقاوي في القدس، تستعرض فيها السياسات الإسرائيلية المتعلقة بترحيل الفلسطينيين وعمليات الهدم، وواقع الحياة قرب جدار الفصل الإسرائيلي. كما تمر المخرجة سريعًا بمناطق جنوب شرق الخليل، المعروفة بـ "مسافر يطا"، مستعرضة المساعي الإسرائيلية لترحيل السكان الفلسطينيين والتوسّع الاستيطاني في المنطقة.

يعتقد الانجيليون الأصوليون أنّ توحيد القدس تحت سيادة "إسرائيل" سيعجّل في نهاية الكون

تظهر في الفيلم أيضًا لقطات أرشيفية لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقله السفارة الأمريكية من منطقة يافا (تل أبيب) إلى مدينة القدس. "هل حقّا سنقترب من نهاية الكون عندما تتوحد القدس تحت السيادة الإسرائيلية"، تسأل مذيعة في قناة MSNBC الأمريكية، ويجيب الضيف: "نعم، أؤمن بذلك كشخص يأتي من خلفية إنجيلية أصولية".

تربط المخرجة بين مشروع "مدينة داوود" التي تم تشييدها في حي سلوان، والتي تهدد ترحيل الفلسطينيين في المنطقة، وبين دعم الإنجيليين الأصوليين في الولايات المتحدة لذلك المشروع، إذا جرى استضافة ممثلين عن حركة إلعاد الاستيطانية، و"City of David Foundation" في إحدى نسخ مؤتمر "مسيحون متحدون لأجل إسرائيل".

تشير المخرجة إلى أن عدد أعضاء منظمة "مسيحون متحدون لأجل إسرائيل" بلغ نحو 10 ملايين، في حين يصل عدد الإنجيليين الأصوليين في الولايات المتحدة إلى ما يزيد عن 100 مليون، وهو ما يشكل 30% من مجمل أصوات الناخبين الأمريكيين.

بلغ عدد أعضاء منظمة "مسيحون متحدون لأجل إسرائيل" نحو 10 ملايين، في حين يزيد عدد الإنجيليين الأصوليين في الولايات المتحدة عن 100 مليون

وبعيدًا عن الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، تبرز المخرجة أثر تلك التيارات على السياسة الداخلية الأمريكية، متطرقة إلى أحداث اقتحام الكونغرس في واشنطن، في السادس من يناير عام 2021، بعد خسارة دونالد ترامب في الانتخابات الرئيسية وعدم تمديد ولايته لأربع سنوات أخرى. عبّر المقتحمون الغاضبون للكونغرس، وكثير منهم من الإنجيليين الأصوليين بحسب الفيلم، عن عدم قبولهم بتنحية ترامب، الذين رأوا من فترته الرئاسية فرصة لتسريع عودة المسيح، نظرًا لسياساته الداخلية والخارجية، وانعكاساتها على الأرض.

وتبرز المخرجة أصواتًا نقدية لمسألة "تكريس الجيش الأمريكي لخدمة الإنجيلية الأصولية"، والتي تعاينها بالتطرق إلى ورش العمل الدينية التي يتلقاها المجندون والمجندات، بل وبإظهار معدات عسكرية أمريكية الصنع تحمل رموزًا إنجيلية. هذه الممارسات، بحسب أصوات ناقدة في الفيلم، تسبب ضررًا داخليا لمنظومة الجيش، وتعزز الفكرة السائدة في العالم الجنوبي أن الجيش الأمريكي هو "جيش صليبي".

يرى الإنجيليين الأصوليين بأنّ "إسرائيل" ستتعرّض لهجوم من قوى معادية، الأمر الذي سيسرّع بـ"اندلاع المعركة الأخيرة" و"عودة المسيح" 

يتفحّص الفيلم أيضًا فرضية مصلحة الإنجيليين الأصوليين بأن تتعرض "إسرائيل" لهجوم نووي من قوى معادية في المنطقة، مما سيسرع اندلاع "المعركة الأخيرة" وعودة المسيح. "نؤمن أننا على وشك النهاية، وعالمنا الذي نعرفه سيتغير، وكل من رفض دعوة المسيح هو عدو وجب قتاله"، يقول المؤمنون في الفيلم.

مع نهاية الفيلم، يحاول الصحفي لي فانغ الدخول إلى إحدى اجتماعات الإنجيليين الأصوليين في تكساس، أحد أبرز معاقلهم الرئيسية، إلا أنه يُطرد من القاعة تحت تهديد استدعاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

"لا يريدون التحدث عن أثرهم على ملف حقوق الإنسان"، يقول الصحافي فانغ.

خلال إحدى العروض الأولى للفيلم الوثائقي حديث الإصدار، وذلك في مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا (حزيران/ يونيو 2023)، عبّر بعض المشاهدين عن استيائهم لعدم إبراز القيم الإيجابية للإنجيلية الأصولية والتركيز على شيطنة ذلك التيار. في حين أكد آخرون على ضرورة عدم إهمال الأبعاد الإمبريالية الاستعمارية لقضايا العالم عبر التركيز المطلق على المنظور الديني، وهي ملاحظات تقبلتها المخرجة النرويجية تونية شاي بصدر رحب، مؤكدة صعوبة معالجة محاور فرعية لموضوع أساسي معقد في فيلم وثائقي واحد.

كما تلقّت المخرجة نقدًا متعلقا باقتصار إبراز أثر المسيحية الصهيونية على الملف الفلسطيني-الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1967 فقط، دون التطرق لأحداث 1948، والجذور التأسيسيّة لدولة "إسرائيل"، وبالتالي، إظهار الملف الفلسطيني-الإسرائيلي كحالة "احتلال عسكري" في قطعة من الأرض، بدلًا من حركة استعمار كلاسيكية ضربت كامل البلاد.

صانعة الأفلام النرويجية تونية شاي: لا يتمحور الفيلم حول السؤال الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل أساسي، بل هو محاولة لتناول ظاهرة "خطيرة ومروعة" تجري في الولايات المتحدة، ولها انعكاساتها على الشرق الأوسط

بالنسبة للمخرجة، لا يتمحور الفيلم حول السؤال الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل أساسي، بل كانت محاولة لتناول ظاهرة "خطيرة ومروعة" تجري في الولايات المتحدة الأمريكية، لها انعكاساتها في الشرق الأوسط، بحسب كلماتها، وذلك بأسلوب صحافي سينمائي مشوق.

رغم اهتمام مهرجانات سينمائية وثائقية عدة حول العالم بالفيلم الجديد، تواجه المخرجة صعوبة بالتعاقد مع جهات لبث الفيلم داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بحسبها، ما يشكّل خيبة أمل كونها أرادت استهداف الجمهور الأمريكي بشكل أساسي.