22-يناير-2023
Getty Images

Getty Images

زرع الفلّاح واصف أبو فرحة أرضه في قرية الجلمة شمال جنين، ببذور بالقمح، وانتظر المطر، لكنّه وقبل نحو أسبوعين وجد نفسه مضطرًا لإعادة حراثة أرضه بما زرع عليها من بذور، وبذر مجددًا "البرسيم" علّه بذلك يتدارك الموسم، ويعوّض بعضًا من خسارته جرّاء تأخر المطر. 

إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه من قلة للمطر، فإن المزارعين سيخسرون محاصيلهم

يقول المزارع أبو فرحة في حديث مع "الترا فلسطين" إنه بذر حبوب القمح نهاية شهر تشرين ثان/ نوفمبر، ولكن بسبب ضعف الأمطار خلال "المربعانية" نمت البذور هُنا وهناك وبشكل متباعد في الأرض، وهو ما دفعه إلى قلب الأرض وحراثتها من جديد، وزراعتها بالبرسيم.

ويوضح أبو فرحة إلى أنّ دونم الأرض (ألف متر مربّع) ينتج عادة من 400 إلى 500 كيلوغرام حبوب، ولكن الآن من المستحيل أن يُعطي الدونم أكثر من 150-200 كيلوغرامًا من حبوب القمح في أحسن الأحوال، وبالطبع إذا ما كان هناك تدارك لهطول المطر، أما لو استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فسيخسر المزارع محصوله كاملًا.

David Silverman/Getty Images
David Silverman/Getty Images

ويبيّن أنه عندما ينمو جذر النبته ويكبر ويصل إلى منطقة الجفاف في التربة، يستحيل أن يستمر في النمو، وذلك في ظل تأخر المطر الذي يؤثر على إنتاج النباتات.

وحول ما دفعه لزراعة البرسيم بدل القمح لدى إعادته حراثة الأرض، يفيد أبو فرحة، أن زراعة القمح في هذا التوقيت المتأخر من العام، وحتى لو كان الإنتاج وفيرًا، فإنه غير مضمون النجاح، وبالتالي لن يغامر بزراعته مجددًا مع قلة المطر، لذا زرع البرسيم لأنه أكثر تحمّلًا وإنتاجًا مقارنة بالقمح.

رمزي زيود مهندس زراعي يشرف على مشاريع زراعية في محافظة جنين، يقول لـ "الترا فلسطين" إنّ هذا العام يعد من أسوأ الأعوام مؤخرًا، لأنه الأمطار فيه لم تتواصل، حيث هطلت في بداية الموسم بشكل جيد، ومن ثم حدث انقطاع طويل، وهو ما أدى إلى حدوث صدمة لبعض المحاصيل العلفية والحقلية.

ويضيف المهندس زيود أن انحباس الأمطار أثّر بشكل محدود على الزراعات المروية، ولكنّه أثّره على الزراعات البعلية والمحاصيل الحقلية مباشر وسريع وواضح، بالتحديد القمح والشعير والبيكيا والمحاصيل العلفية.

ويؤكد زيود أن بعض المزارعين في مناطق جنين قاموا بقلب المحاصيل من جديد، وإعادة زراعتها خاصة القمح، حيث أنبت القمح وبعد الإنبات عندما توقّف المطر، توقف نموّه، وبالتالي تم إعادة قلبه. لكن زيود يبقي باب الأمل مواربًا، بالقول إن عودة الأمطار والمنخفضات الجوية يمكن أن تجعل الفلاحين يتداركون الموسم.

كذلك، يؤكد هاشم صوافطة مدير مديرية زراعة الأغوار الشمالية أن القطاع النباتي تأثر لديهم في هذا العام، وبشكل خاص الخضار المروية، حيث أن ارتفاع درجات الحرارة أدى لتغيّر شكل الإنتاج، بحيث ظلت أسعار الخضار متدنية بسبب زيادة الإنتاج، فالأجواء أقرب إلى الصيف.

وبين في حديث لـ"الترا فلسطين" أن صندوق الخيار يباع اليوم مثل الصيف بسعر 25 شيقلًا، ولكنه في مثل هذا الوقت من العام الماضي كان يباع بسعر 80 شيقلًا، وهذا الأمر أدى إلى خسائر لدى المزارعين رغم الإنتاج الكبير، لأنه على سبيل المثال فإن دونم الخيار في الصيف ينتج 30 صندوقًا يوميًا، تباع بسعر 20 شيقل للصندوق، ويكون المجموع 600 شيقل، وهي تحتاج ليوم كامل من العمل، أما في الشتاء فإن الدونم ينتج بالعادة 10 صناديق يوميًا، ويباع الصندوق بسعر 100 شيقل، أي بمجموع 1000 شيقل، ولا تحتاج إلا لساعة عمل واحدة للقطف.

 David Silverman/Getty Images
 David Silverman/Getty Images

كذلك أدى ارتفاع الحرارة إلى بقاء نشاط الحشرات الزراعية، وبالتالي يحتاج المزارع إلى رش أكثر للمبيدات، وهو ما يزيد من تكاليف الإنتاج.

أما فيما يتعلق بالمحاصيل الحقلية في مناطق الأغوار الشمالية، يقول صوافطة إن المزارعين في المالح والمضارب البدوية وكردلة وبردلة وعين البيضاء زرعوا حوالي 20 ألف دونم بالقمح والشعير والبيكيا والحمص والفول والبازيلاء. وأضاف، أنه منذ أسبوع توقف المطر لديهم، لذا من السابق لأوانه الحديث عن تأثر المحاصيل الحقلية، حيث لم يصلوا بعد إلى نقطة الذبول الدائم للمحاصيل، بل هم في نقطة الذبول المؤقت، وحين تعود الأمطار يعود المحصول لوضعه الطبيعي، ولا يتأثر بقلة المطر.

وأكد صوافطة أن كمية الأمطار في الأغوار الشمالية هذا الموسم نفس الكمية تقريبًا مقارنة في الموسم السابق، ولكن ما جرى هو تذبذب في الأمطار وانقطاع لفترات طويلة.

لكن يوسف أبو أسعد مدير دائرة الأحوال الجوية الفلسطينية فبيّن لـ "الترا فلسطين" أن الأمطار التي هطلت على فلسطين بشكل عام هذا الموسم لغاية الآن لم تصل إلى 50 في المئة مما وصلت إليه العام الماضي في نفس الفترة من الموسم.

ويؤكد أبو أسعد أن انقطاع الأمطار لفترة طويلة أدى إلى خسارة المزارعين، خاصة الذين يعتمدون على الزراعات البعلية كالبذور والمحاصيل الحقلية، ويؤثر كذلك على المحاصيل الصيفية في الأيام القادمة، وعلى الأشجار المثمرة كاللوزيات.

هذه "المربعانية" تعتبر الأسوأ منذ عام 2013 إن لم تكن أسوأ منها 

وينوّه أبو أسعد إلى أن هذه "المربعانية" تعتبر الأسوأ منذ عام 2013 إن لم تكن أسوأ منها، ويلفت إلى أن كميات الأمطار الهاطلة تختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى، حيث وصلت في محافظة القدس إلى 25 في المئة من المعدل السنوي العام، وفي رام الله 29 في المئة، وفي الخليل حوالي 25 في المئة، وفي قلقيلية 30 في المئة، وفي جنين لم تتجاوز نسبة الأمطار 35 في المئة من المعدل العام.

ولكن في محافظات قطاع غزة كان الأمر أفضل وفق أبو أسعد، مقارنة مع مناطق الضفة الغربية، حيث تعدّت الكميات 45 في المئة من المعدل العام.